فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الطبري:

يعني بقوله جل ثناؤه: {فكيف إذا جمعناهم}، فأيُّ حال يكون حالُ هؤلاء القوم الذين قالوا هذا القول، وفعلوا ما فعلوا من إعراضهم عن كتاب الله، واغترارهم بربهم، وافترائهم الكذب؟ وذلك من الله عز وجل وعيدٌ لهم شديد، وتهديدٌ غليظٌ.
وإنما يعني بقوله: {فكيف إذا جمعناهم} الآية: فما أعظم ما يلقوْن من عقوبة الله وتنكيله بهم، إذا جمعهم ليوم يُوفَّى كلّ عامل جزاءَ عمله على قدر استحقاقه، غير مظلوم فيه، لأنه لا يعاقب فيه إلا على ما اجترم، ولا يؤاخذُ إلا بما عمل، يُجزَي المحسنُ بإحسانه، والمسيء بإساءته، لا يخاف أحدٌ من خلقه منه يومئذ ظلمًا ولا هضمًا.
فإن قال قائل: وكيف قيل: {فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه}، ولم يقل: في يوم لا رَيب فيه؟
قيل: لمخالفة معنى اللام في هذا الموضع معنى في. وذلك أنه لو كان مكان اللام في، لكان معنى الكلام: فكيف إذا جمعناهم في يوم القيامة، ماذا يكون لهم من العذاب والعقاب؟ وليس ذلك المعنى في دخول اللام، ولكن معناه مع اللام: فكيف إذا جمعناهم لما يحدُث في يوم لا ريب فيه، ولما يكون في ذلك اليوم من فَصْل الله القضاءَ بين خلقه، ماذا لهم حينئذ من العقاب وأليم العذاب؟ فمع اللام في {ليوم لا ريب فيه} نيَّة فِعْل، وخبرٌ مطلوب قد ترك ذكره، أجزأت دلالةُ دخول اللام في اليوم عليه، منه، وليس ذلك مع في، فلذلك اختيرت اللام فأدخلت في اليوم، دون في.
وأما تأويل قوله: {لا ريب فيه}، فإنه: لا شك في مجيئه. وقد دللنا على أنه كذلك بالأدلة الكافية، مع ذكر من قال ذلك في تأويله فيما مضى، بما أغنى عن إعادته.
وعنى بقوله: {ووُفِّيت}، ووَفَّى الله {كلُّ نفس ما كسبت}، يعني: ما عملت من خير وشر {وهم لا يظلمون}، يعني أنه لا يبخس المحسن جزاءَ إحسانه، ولا يعاقب مسيئًا بغير جرمه. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَكَيْفَ} استعظام وتهويل وهدم لما استندوا إليه، وكلمة الاستفهام في موضع نصب على الحال والعامل فيه محذوف أي كيف تكون حالهم أو كيف يصنعون أو كيف يكونون، وجوز أن تكون خبرًا لمبتدأ محذوف أي كيف حالهم، وقولهم تعالى: {إِذَا جمعناهم} ظرف محض من غير تضمين شرط والعامل فيه العامل في (كيف) إن قدر أنها منصوبة بفعل مقدر، وإن قلنا: إنها خبر لمبتدأ مضمر كان العامل في {إذا} ذلك المقدر أي كيف حالهم في وقت جمعهم {لِيَوْمِ} أي في يوم أو لجزاء يوم.
{لاَ رَيْبَ فِيهِ} أي في وقوعه ووقوع ما فيه، روي أنه أول راية ترفع لأهل الموقف من رايات الكفار راية اليهود فيفضحهم الله تعالى على رءوس الأشهاد ثم يأمر بهم إلى النار {وَوُفّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} أي ما عملت من خير أو شر، والمراد جزاء ذلك إلا أنه أقيم المكسوب مقام جزائه إيذانًا بكمال الاتصال والتلازم بينهما حتى كأنهما شيء واحد {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} شيئًا فلا ينقصون من ثوابهم ولا يزادون في عذابهم بل يعطي كل منهم مقدار ما كسبه، والضمير راجع إلى كل إنسان المشعر به كل نفس، وكل يجوز مراعاة معناه فيجمع ضميره ووجه التذكير ظاهر. اهـ.

.قال ابن عطية:

قال تعالى خطابًا لمحمد وأمته على جهة التوقيف والتعجيب فكيف حال هؤلاء المغترين بالأباطيل إذا حشروا يوما القيامة واضمحلت تلك الزخارف التي ادعوها في الدنيا وجوزوا بما اكتسبوه من كفرهم وأعمالهم القبيحة؟ قال النقاش: واليوم الوقت، وكذلك قوله: {في ستة أيام} [الأعراف: 54] [السجدة: 4] إنما هي عبارة عن أوقات فإنها الأيام والليالي والصحيح في يوم القيامة أنه يوم لأن قبله ليلة وفيه شمس، واللام في قوله تعالى: {ليوم} طالبة لمحذوف، قال الطبري تقديره لما يحدث في يوم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه} هذا تعجيب من حالهم، واستعظام لعظم مقالتهم حين اختلفت مطامعهم، وظهر كذب دعواهم، إذ صاروا إلى عذاب ما لهم حيلة في دفعه، كما قال تعالى: {تلك أمانيهم} هذا الكلام يقال عند التعظيم لحال الشيء، فكيف إذا توفتهم الملائكة؟ وقال الشاعر:
فكيف بنفس، كلما قلت: أشرفت ** على البرء من دهماء، هيض اندمالها

وقال:
فكيف؟ وكلٌّ ليس يعدو حمامه ** وما لامرئ عما قضى الله مرحلُ

وانتصاب: فكيف، قيل على الحال، والتقدير: كيف يصنعون؟ وقدره الحوفي: كيف يكون حالهم؟ فإن أراد كان التامة كانت في موضع نصب على الحال، وإن كانت الناقصة كانت في موضع نصب على خبر كان، والأجود أن تكون في موضع رفع خبر لمبتدأ محذوف يدل عليه المعنى: التقدير: كيف حالهم؟ والعامل في: إذا، ذلك الفعل الذي قدره، والعامل في: كيف، إذا كانت خبرًا عن المبتدأ إن قلنا إن انتصابها انتصاب الظروف، وإن قلنا إنها اسم غير ظرف، فيكون العامل في: إذا، المبتدأ الذي قدرناه، أي: فكيف حالهم في ذلك الوقت؟ وهذا الاستفهام لا يحتاج إلى جواب، وكذا أكثر استفهامات القرآن، لأنها من عالم الشهادة، وإنما استفهامه تعالى تقريع.
واللام، تتعلق: بجمعناهم، والمعنى: لقضاء يوم وجزائه كقوله: {إنك جامع الناس ليوم} قال النقاش: اليوم، هنا الوقت، وكذلك: {أيامًا معدودات} و{في يومين} و{في أربعة أيام} إنما هي عبارة عن أوقات، فإنما الأيام والليالي عندنا في الدنيا.
وقال ابن عطية: الصحيح في يوم القيامة أنه يوم، لأنه قبله ليلة وفيه شمس.
ومعنى: {لا ريب فيه} أي في نفس الأمر، أو عند المؤمن، أو عند المخبر عنه، أو حين يجمعهم فيه، أو معناه: الأمر خمسة أقوال. اهـ.

.قال البيضاوي:

{وَوُفّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} جزاء ما كسبت. وفيه دليل على أن العبادة لا تحبط وأن المؤمن لا يخلد في النار، لأن توفية إيمانه وعمله لا تكون في النار ولا قبل دخولها، فإذن هي بعد الخلاص منها. اهـ.

.قال في روح البيان:

الواجب على من كان مؤمنا وليس من أهل البدع إن يحمد الله على ما هداه وجعله مسلما من الأمة الشريفة.
ولذا قيل من علامات سوء العاقبة أن لا يشكر العبد على ما هدى به من الإيمان والتوحيد.
وأهل الغرور في الدنيا مخدوع بهم في الآخرة فليس لهم عناية رحمانية وإنما يقبل رجاء العبد إذا قارنه العمل والكاملون بعد أن بالغوا في تزكية النفس ما زالوا يخافون من سوء العاقبة ويرجون رحمة الله فكيف بنا ونحن متورطون في آبار الأوزار لا توبة لنا ولا استغفار غير العناد والإصرار.
قال الإمام الهمام محمد الغزالى رحمه الله في منهاج العابدين مقدمات التوبة ثلاث:
أحدها ذكر غاية قبح الذنوب.
والثانية ذكر غاية عقوبة الله تعالى وأليم سخطه وغضبه الذي لا طاقة لك به.
والثالثة ذكر ضعفك وقلة حيلتك فإن من لا يحتمل حر الشمس ولطمة شرطى وقرص نملة كيف يحتمل حر نار جهنم وضرب مقامع الزبانية ولسع حيات كأعناق البخت وعقارب كالبغال خلقت من النار في دار الغضب والبوار نعوذ بالله نم سخطه وعذابه. اهـ.

.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ}.
زُيِّنَ لِلنَّاسِ المزين هو الله سبحانه وتعالى للابتلاء، كقوله: {إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ} ويدل عليه قراءة مجاهد: زين للناس، على تسمية الفاعل، وعن الحسن: الشيطان.
والله زينها لهم، لأنا لا نعلم أحدًا أذم لها من خالقها حُبُّ الشَّهَواتِ جعل الأعيان التي ذكرها شهوات مبالغة في كونها مشتهاة محروصًا على الاستمتاع بها. والوجه أن يقصد تخسيسها فيسميها شهوات، لأن الشهوة مسترذلة عند الحكماء مذموم من اتبعها شاهد على نفسه بالهيمية، وقال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ} ثم جاء بالتفسير، ليقرر أوّلا في النفوس أن المزين لهم حبه ما هو إلا شهوات لا غير، ثم يفسره بهذه الأجناس، فيكون أقوى لتخسيسها، وأدلّ على ذم من يستعظمها ويتهالك عليها ويرجح طلبها على طلب ما عند الله. والقنطار: المال الكثير. قيل: ملء مسك ثور.
وعن سعيد بن جبير: مائة ألف دينار. ولقد جاء الإسلام يوم جاء وبمكة مائة رجل قد قنطروا.
و{المقنطرة} مبنية من لفظ القنطار للتوكيد كقولهم: ألف مؤلفة، وبدرة مبدرة.
و{المسومة} المعلمة، من السومة وهي العلامة.
أو المطهمة أو المرعية من أسام الدابة وسوّمها {والانعام} الأزواج الثمانية {ذلك} المذكور {مَّتَاعُ الحياة}.
{لِلَّذِينَ اتقوا عِندَ رَبّهِمْ جنات} كلام مستأنف فيه دلالة على بيان ما هو خير من ذلكم، كما تقول: هل أدلك على رجل عالم؟
عندي رجل صفته كيت وكيت.
ويجوز أن يتعلق اللام بخير.
واختص المتقين، لأنهم هم المنتفعون به.
وترتفع {جنات} على: هو جنات.
وتنصره قراءة من قرأ {جنات} بالجرّ على البدل من خير {والله بَصِيرٌ بالعباد} يثيب ويعاقب على الاستحقاق، أو بصير بالذين اتقوا وبأحوالهم، فلذلك أعدّ لهم الجنات.
{الذين يَقُولُونَ} نصب على المدح، أو رفع.
ويجوز الجرّ صفة للمتقين أو للعباد.
والواو المتوسطة بين الصفات للدلالة على كما لهم في كل واحدة منها.
وقد مرّ الكلام في ذلك.
وخص الأسحار لأنهم كانوا يقدّمون قيام الليل فيحسن طلب الحاجة بعده {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] وعن الحسن: كانوا يصلون في أوّل الليل حتى إذا كان السحر أخذوا في الدعاء والاستغفار، هذا نهارهم، وهذا ليلهم.
شبهت دلالته على وحدانيته بأفعاله الخاصة التي لا يقدر عليها غيره، وبما أوحى من آياته الناطقة بالتوحيد كسورة الإخلاص وآية الكرسي وغيرهما بشهادة الشاهد في البيان والكشف، وكذلك إقرار الملائكة وأولي العلم بذلك واحتجاجهم عليه {قَائِمًا بالقسط} مقيمًا للعدل فيما يقسم من الأرزاق والآجال، ويثيب ويعاقب، وما يأمر به عباده من إنصاف بعضهم لبعض والعمل على السوية فيما بينهم.
وانتصابه على أنه حال مؤكدة منه كقوله: {وَهُوَ الحق مُصَدّقًا} [البقرة: 91].
فإن قلت: لم جاز إفراده بنصب الحال دون المعطوفين عليه؟
ولو قلت جاءني زيد وعمرو راكبًا لم يجز؟
قلت: إنما جاز هذا لعدم الإلباس كما جاز في قوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: 72] إن انتصب نافلة حالا عن يعقوب.
عن يعقوب. ولو قلت: جاءني زيد وهند راكبًا جاز لتميزه بالذكورة، أو على المدح. فإن قلت: أليس من حق المنتصب على المدح أن يكون معرفة كقولك: الحمد للَّه الحميد. «إنا معشر الأنبياء لا نورث». إنا بنى نهشل لا ندعى لأب؟ قلت: قد جاء نكرة كما جاء معرفة. وأنشد سيبويه فيما جاء منه نكرة قول الهذلي:
وَيَأْوِى إلَى نِسْوَةٍ عُطْلٍ ** وَشُعْثًا مَرَاضِيعَ مِثْلَ السَّعَالِى

فإن قلت: هل يجوز أن يكون صفة للمنفي كأنه قيل: لا إله قائمًا بالقسط إلا هو؟ قلت: لا يبعد، فقد رأيناهم يتسعون في الفصل بين الصفة والموصوف. فإن قلت: قد جعلته حالا من فاعل شهد، فهل يصح أن ينتصب حالا عن {هو} في: {لا إله إلا هو}؟ قلت: نعم، لأنها حال مؤكدة والحال المؤكدة لا تستدعى أن يكون في الجملة التي هي زيادة في فائدتها عامل فيها، كقولك: أنا عبد الله شجاعًا. وكذلك لو قلت: لا رجل إلا عبد الله شجاعًا. وهو أوجه من انتصابه عن فاعل شهد، وكذلك انتصابه على المدح. فإن قلت: هل دخل قيامه بالقسط في حكم شهادة الله والملائكة وأولى العلم كما دخلت الوحدانية؟ قلت: نعم إذا جعلته حالا من هو، أو نصبًا على المدح منه، أو صفة للمنفي، كأنه قيل: شهد الله والملائكة وأولو العلم أنه لا إله إلا هو، وأنه قائم بالقسط.
وقرأ عبد الله: القائم بالقسط، على أنه بدل من هو، أو خبر مبتدإ محذوف. وقرأ أبو حنيفة:
قيما بالقسط الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ صفتان مقرّرّتان لما وصف به ذاته من الوحدانية والعدل، يعنى أنه العزيز الذي لا يغالبه إله آخر، الحكيم الذي لا يعدل عن العدل في أفعاله. فإن قلت: ما المراد بأولى العلم الذين عظمهم هذا التعظيم حيث جمعهم معه ومع الملائكة في الشهادة على وحدانيته وعدله؟ قلت: هم الذين يثبتون وحدانيته وعدله بالحجج الساطعة والبراهين القاطعة وهم علماء العدل والتوحيد. وقرئ {أنه} بالفتح، و{أن الدين} بالكسر على أنّ الفعل واقع على أنه بمعنى شهد الله على أنه، أو بأنه. وقوله أن الدين عِنْدَ الله الإسلام جملة مستأنفة مؤكدة للجملة الأولى. فإن قلت: ما فائدة هذا التوكيد؟ قلت: فائدته أن قوله: {لا إله إلا هو} توحيد، وقوله: {قائِمًا بِالْقِسْطِ} تعديل، فإذا أردفه قوله: {أن الدين عِنْدَ الله الإسلام} فقد آذن أن الإسلام هو العدل والتوحيد، وهو الدين عند الله، وما عداه فليس عنده في شيء من الدين. وفيه أن من ذهب إلى تشبيه أو ما يؤدّى إليه كإجازة الرؤية أو ذهب إلى الجبر الذي هو محض الجور، لم يكن على دين الله الذي هو الإسلام، وهذا بين جلى كما ترى. وقرئا مفتوحين، على أن الثاني بدل من الأوّل، كأنه قيل: شهد الله أن الدين عند الله الإسلام، والبدل هو المبدل منه في المعنى، فكان بيانا صريحًا، لأن دين الله هو التوحيد والعدل. وقرئ الأوّل بالكسر والثاني بالفتح، على أن الفعل واقع على إنّ، وما بينهما اعتراض مؤكد. وهذا أيضا شاهد على أن دين الإسلام هو العدل والتوحيد، فترى القراءات كلها متعاضدة على ذلك. وقرأ عبد الله: أن لا إله إلا هو. وقرأ أبىّ: أن الدين عند الله للإسلام، وهي مقوية لقراءة من فتح الأولى وكسر الثانية. وقرئ: شهداء للَّه، بالنصب على أنه حال من المذكورين قبله، وبالرفع على هم شهداء الله. فإن قلت: فعلام عطف على هذه القراءة {وَ الْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ}؟
قلت: على الضمير في شهداء، وجاز لوقوع الفاصل بينهما. فإن قلت: لم كرر قوله: {لا إله إلا هو}؟ قلت: ذكره أوّلا للدلالة على اختصاصه بالوحدانية، وأنه لا إله إلا تلك الذات المتميزة، ثم ذكره ثانيا بعد ما قرن بإثبات الوحدانية إثبات العدل، للدلالة على اختصاصه بالأمرين، كأنه قال: لا إله إلا هذا الموصوف بالصفتين، ولذلك قرن به قوله: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} لتضمنهما معنى الوحدانية والعدل الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ أهل الكتاب من اليهود والنصارى.
واختلافهم أنهم تركوا الإسلام وهو التوحيد والعدل مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ أنه الحق الذي لا محيد عنه، فثلثت النصارى، وقالت اليهود عزير ابن الله، وقالوا: كنا أحق بأن تكون النبوّة فينا من قريش لأنهم أمّيون ونحن أهل كتاب، وهذا تجويز للَّه بَغْيًا بَيْنَهُمْ أي ما كان ذلك الاختلاف وتظاهر هؤلاء بمذهب وهؤلاء بمذهب إلا حسدًا بينهم وطلبا منهم للرئاسة وحظوظ الدنيا، واستتباع كل فريق ناسا يطؤن أعقابهم، لا شبهة في الإسلام. وقيل: هو اختلافهم في نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، حيث آمن به بعض وكفر به بعض. وقيل: هو اختلافهم في الإيمان بالأنبياء، فمنهم من آمن بموسى، ومنهم من آمن بعيسى. وقيل هم اليهود، واختلافهم أن موسى عليه السلام حين احتضر استودع التوراة سبعين حبرًا من بنى إسرائيل، وجعلهم أمناء عليها، واستخلف يوشع، فلما مضى قرن بعد قرن واختلف أبناء السبعين بعد ما جاءهم علم التوراة بغيا بينهم وتحاسدًا على حظوظ الدنيا والرياسة. وقيل: هم النصارى واختلافهم في أمر عيسى بعد ما جاءهم العلم أنه عبد الله ورسوله.